الشاعر شربل بعيني في ملبورن/ نجاة فخري مرسي

شاعرة وأديبة مهجرية

لا أستطيع أن أدعي بأنني على مستوى شاعرية شربل بعيني، ويكفيني أن أكون على مستوى ثورته الانسانية، وخاصة في قصيدته الأخيرة: "لعنة الله علينا"، لأنها ترجمة صادقة لثورة الإنسان الصادق، الذي يرى وطنه يحترق بكبريت الحقد المستورد، ويرى ورقة التعايش الخالدة تتقاذفها تلك الرياح العمياء، لتجعل من الاخوة أعداء.
زار ملبورن في الفترة الأخيرة الشاعر اللبناني الثائر شربل بعيني، ليعرّف أهلها على المسمّى، بعد أن عرفوا الأم من خلال "نهار أستراليا" و"النهار الدولي" وكل نهار، وبعد أن قرأوا من أشعاره الوطنية والعاطفية والشعبيّة الكثير.
وفي الأمسية التي قدم فيها كتاب "شربل بعيني بأقلامهم"، تأليف وإعداد السيد كلارك بعيني، والتي أسفت لعدم تمكني من حضورها، قد علمت ممن حضروها إنها كانت نادرة، وان ما قرأه عليهم من قصائد وأشعار، قد أيقظ في وجدانهم كل ما استنام من مشاعر الحنين والصدق مع النفس، لانها لم تحملهم فقط الى لبنان، بل حملت لبنان إليهم، مقتولاً بنبال أبنائه، فاستحقينا اللعنة.
وفي الأمسية التي سعدت بإعدادها له في منزلنا، بحضور سعادة قنصل لبنان العام وبعض الدكاترة والأطباء، وعدد من أفراد الدائرة الأدبية الضيقة جداً في ملبورن، ومسؤول الاذاعة العربية، تمتّعنا جميعاً بما سمعناه من أشعاره، ثم تكرّم وأهداني بعض كتبه ومؤلفاته التي أعتز بها. ولا أغالي إذا قلت بأنني على الرغم من ضيق الوقت، ومشاغلي الأسرية والاجتماعية والصحفية، ووجود بعض الضيوف في منزلي، فقد قرأتها جميعاً، وهضمتها جميعاً، بكل ما احتوته من مرارة واحتراق.
والسعادة التي تغمرني الآن، وأنا أقدم هذه الموهبة اللبنانية الثائرة للقارىء العزيز، تشبه السعادة التي تغمر المهندس الزراعي المجتهد وهو يقدم بذور جديدة محسّنة لتربة بلاده الطيّبة، بعد أن كانت تغطّيها الأعشاب الطفيلية والطحالب الدخيلة.
ولا أطنني بحاجة الى ترديد أقوال شربل بعيني وأشعاره بعد أن رجّعتها الشفاه، وعلق تأثيرها في قلوب المغتربين، ولكنني، سأكتفي بتزيين هذه الصفحات بمقتطفات منها، بعد تقديمه للقارىء شخصياً.
من هو شربل بعيني
ولد شربل بعيني عام 1951 في قرية مجدليا شمالي لبنان.
صدر له في لبنان ديوانان شعريان: "مراهقة" و"قصائد مبعثرة"، ونشر العديد من القصائد والمقالات في الصحف والمجلات اللبنانية.
هاجر الى أستراليا عام 1971، ويعتبر أول من نشر ديواناً في أستراليا.
منحه قنصل لبنان العام في سيدني الدكتور جان ألفا جائزة الأرز.
صدرت له حتى الآن مجموعة من المؤلفات هي:
ـ مراهقة، 1968، لبنان.
ـ قصائد مبعثرة، 1970، لبنان.
ـ مجانين، 1976، سيدني.
ـ القراءة السهلة، 81، 1985، مدرسي، سيدني.
ـ مشّي معي، 1982، سيدني.
رباعيات، 1983، سيدني.
ـ من كل ذقن شعرة، 1984، سيدني.
ـ سامي وهدى، 1985، مدرسي، سيدني.
ـ من خزانة شربل بعيني، 1985، سيدني.
ـ الغربة الطويلة، 1985، سيدني.
ودار بيننا الحديث التالي:
ـ صدر مؤخراً كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" ما رأيك شخصياً بالكتاب؟
ـ مجموعة أقوال للكتاب والصحفيين قبل التعارف، من جمع وتأليف كلارك بعيني
ـ أعز قصائدك؟
ـ قصيدة "صدقيني يا بهيسة"، التي تحكي قصّة امرأة عربية رفضت أن تهرق طهرها ما لم يدفع زوجها مهرخا كاملاً، ألا وهو حقن دماء قبيلتيْ عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء.
وقصيدة "كيف أينعت السنابل؟"، وقصيدة " لعنة الله علينا".
ـ هل تعتبر نفسك شاعراً شعبياً أم ماذا؟
ـ أنا أعتبر نفسي شاعراً فقط، لأن الشاعر الحقيقي بإمكانه أن يتعامل مع كافة أنواع الشعر والشاعرية.
ـ ما موضوع تمردك على الوزن والقافية؟ هل هو جنوح نحو "مدرنة" وتحديث الشعر الشعبي؟
ـ الشعر الشعبي اللبناني ككل أنواع الشعر بحاجة إلى تحديث، خاصة وأن هذا الشعر بدأ يدخل بيوت الناس وقلوبهم من أبوابها الواسعة، وخاصة في هذا المهجر، وما تمردي على الوزن والقافية في شعرنا الشعبي إلا محاولة بسيطة في تسهيل هذا الشعر، وتمكين أبنائنا المغتربين من كتابته، والتعامل معه بسهولة وبساطة وخاصة من ناحية فهمهم له.
ـ ما هو تقييمك لدور الشعر الشعبي في مأساة الوطن؟
ـ بإمكان الشعر الشعبي أن يلعب دوراً مهماً في توعية المواطن بالنسبة لمأساة بلاده، وشرح جوانب عديدة ومهمة من هذه المأساة، ببساطة شعرنا الشعبي المعروفة. ولا يخفاكم كم لهذا الشعر من تأثير على إنساننا العادي.
ـ أنت لبناني، فما هي الصورة التي تحب أن يكونها لبنان المستقبل؟
ـ أحب أن يكون لبنان وطناً لجميع أبنائه، يجمعهم بمحبة وصفاء، دون تمييز بين مواطن وآخر، لأن الانسان ينتمي الى وطن كامل يفخر به وبانتمائه له، وأتمنى من كل قلبي أن يعود كما كان وطن النور والحضارة، وبوابة للشرق والغرب.
ـ أسمعنا قصيدة وطنية..
ـ محتار كيف ببلّش الأشعار
والحرف عم بيئنّ بكتابي
من ظلم ناس مولّعين النّار
وتا يدبحونا ألّفوا عْصابِه
(...)
قسّمونا شوارع وساحات
ورميوا البغض بقلوبنا الحلوه
كرمال تفني بعضها زْعامات
الشعب عندا سلالم ودرجات
والدين أقرب درب للثروه
(...)
إنت وأنا لبلادنا رسمال
وكنوزنا حبّات هالتربِه
..
يللا سوا تا نحقّق الآمال
ونمسح غشاوة حقدن الملعون
ونفلح ونزرع أرضنا.. محبّه
ـ أسمعنا مقطعاً سبّب لك المشاكل..
ـ هذه الأبيات كنت قد ألقيتها في إحدى الأمسيات في لبنان سنة 1969، وقد أحدثت رد فعل عند بعض الأجهزة الخاصة:
.. وكالمطر
يتساقط الخطر
في بلاد ضائعة
عارية وجائعة
وكل من فيها كفر
أو هجر..
**
الخراب يزحف نحو المدينه
يخترق جدار الصمت والسكينه
والطيور الشارده
في الليالي البارده
ترتّل التراتيل الحزينه
**
الثورة..
معمودية الشعوب
الثورة..
توبة من لا يتوب
**
وهذا ما أوحى لتلك الأجهزة بأنني أدعو إلى الثورة، وكان ما كان، فأتينا إلى أستراليا لنواصل مسيرة الكفاح على أرض الحريّة.
ـ أحدث قصائدك..
ـ لعنة الله علينا..
من أين يأتي النور
والدنيا ظلام؟
من أين يأتينا السلام؟
(...)
لم يعد فينا شجاع
كلّنا باع الضمير
وتدثّرنا بأثواب الخداع
(...)
كيف نصبح أمة
والكل يرغب بالتسلط والسياده؟
كيف نصبح أمة
والدين سلعة تاجر
معروضة للبيع في دور العباده؟
نحن من باع الإله
والتعاليم بساحات المزادِ
نحن من أعطى الغريب
كل أسرار البلادِ
ثم ثرنا.. كي يقالَ:
ثاروا يوماً وتنادوا للجهادِ
لعنة الله علينا..
كم شربنا واحتسينا
خمرة الكذب وأفيون الفسادِ
النهار، العدد 505، 5 أيلول 1986
**